ما هي اليوغا؟

كيف تحولت ممارسات هندية تقليدية قديمة الى رياضة حديثة يشيد الجميع بفوائدها على الجسد والذهن؟؟ سؤال قد يتبادر على كثير من الأذهان في الآونة الأخيرة بسبب الانتشار الواسع للوعي بين العامة عن اهمية الحركة والبحث عن أفضل الطرق للاهتمام بالصحة البدنية والعقلية.


في هذا المقال سأتطرق لبعض النقاط التي توضح كيف ارتبطت هذه الممارسات القديمة مع اسلوب الحياة الجديد وصارت جزء لا يتجزأ من النشاط الرياضي لكل من يبحث عن التوازن الصحي..

اليوغا عبر التاريخ بدأت ظهور فلسفة اليوغا في الهند القديمة قبل أكثر من عشرة آلاف سنة، ومرت هذه الفلسفة بكل افكارها وممارساتها بأزمنة وعصور مختلفة، ازدهرت فيها فلسفة اليوغا قبل ثلاثة آلاف عام عندما قام السيج بتانجلي بنقل وترجمة مفاهيم الفلسفة القديمة وتجميعها في كتب ومخطوطات سهله وواضحة حتى لقب ب "اب اليوغا الحديثة".

تحدث بتانجلي في مخطوطته الشهيرة المكونة من 196 مقطع عن الحركات الجسدية "آسنا" في 3 مواضع فقط وكان التركيز الأكبر في المخطوطة على شرح طبيعة الواقع وكيفية تحقيق السلام الداخلي.


في تلك الحقبه كانت الفلسفة تختص بالشكل الاساسي بتعليم مفاهيم كيفية فهم الطبيعة الإنسانية ورفع مستوى الصحة وجودة الحياة.

في القرن الحادي عشر بدأت ممارسات فلسفة اليوغا بالتحور والتركيز على حركات اليوغا لتتخذ صحة وقوة الجسد المادي الحيز الأكبر في الفلسفة، وذلك تزامنا مع تقدم التطور الإنساني في العمران والمواصلات واختلاف اسلوب الحياة بشكل عام واختراع الوسائل التي تقلل من نسبة المجهود البدني المبذول في الحياة اليومية مما أدى الى اختلال في طبيعة الجسم الفطرية وظهور امراض جسدية ونفسية جديدة.

ويظهر ذلك التحور في تطور اسلوب "الهاثا يوغا" المختص بالعناية بالجسد المادي بشكل مباشر بدون التعمق في فلسفة الروحانيات. وهو النوع الاكثر تداولا في عالمنا الحديث لأثره البالغ في تحسين الصحة الجسدية والنفسية لدى الممارسين حول العالم.

في بداية عام 2022 قام الدكتور راجندر سنقه من كلية جي,جي,دي,أس,دي في مدينة شانديقره في الهند، بأجراء دراسة علمية على مجموعتين متساوية من طلاب الثانوية العليا للمقارنة بين تأثير ممارسة تمارين اليوغا والرياضة التقليدية على المتغيرات النفسية والفسيولوجية خلال وقت الامتحانات.


قامت المجموعة الأولى بممارسة تمارين اليوغا لمدة 40 دقيقة يوميا، وقامت المجموعة الثانية بممارسة التمارين الرياضية التقليدية بنفس المدة لمدة 12 أسبوع متتالية، تم فيها قياس المتغيرات الفسيولوجية مباشرة بعد التمرين مثل معدل ضربات القلب معدل التنفس وضغط الدم وأيضا قياس المتغيرات النفسية مثل العصبية وسمات الغضب ونوع الشخصية الدراسية.

كانت النتائج ايجابية ومتقاربة بين المجموعتين في التغيرات الفسيولوجية والنفسية ولكن شوهدت بشكل اوضح وأسرع في المجموعة الأولى التي مارست اليوغا.

"الحركة الجسدية الثابتة والمريحة هي آسنا" (بتانجلي سوترا 2.45) للاستفادة القصوى يجب ان يهدف ممارس تمارين اليوغا بان يكون في حالة ثبات وراحة مستمرة وقت اداء التمارين الحركية، حتى وان كان الشخص رأسا على عقب. ولا يقتصر تأثير الثبات والراحة على وقت تأدية تمارين اليوغا فقط بل سينتقل الى جميع نشاطات الشخص اليومية مثل الوقوف، المشي، قيادة السيارة وغيره وسيظهر ايضا التأثير النفسي الإيجابي لتمارين اليوغا بشكل واضح مثل الهدوء، السيطرة على الانفعالات والغضب، تقليل التوتر وتحسين جودة النوم وغيرها كما وضحت لنا في الدراسة السابقة.

"العقل هو سيد الحواس، لكن النفس هو سيد العقل" (سواتماراما، هاثا يوجا براديبيكا) تتمثل فائدة تمارين اليوغا الحقيقة في كونها تمارين منخفضة الشدة تؤدى ببطء مع التركيز على نمط التنفس مما يعطي نتائج عميقة على المدى البعيد في الجهاز العصبي، العضلي، المناعي وكامل الجسم مما يؤدي بطبيعة الحال الى تركيز ذهني اعلى واستقرار نفسي، ويكمن سر حصاد هذه الفوائد في الصبر والاستمرار في ممارسة التمارين الجسدية آسنا وتمارين التنفس براناياما بانتظام .

في الختام نستنتج ان ما اكتشفه وطوره قدماء الفلاسفة في الهند من طرق لرفع جودة الحياة وتحسين الصحة الجسدية والنفسية مازالت ملائمة للإنسان المعاصر، وان الاستمرار على ممارسة التمارين الجسدية وتمارين التنفس يحقق هدف اليوغا الأسمى وهو الاتزان والتناغم والاتحاد بين العقل والجسد.  

كتب بواسطة
نيرفين ناصر الاشرم
دبلوم مهني رياضي ومدربة رياضية
والفائزة بالمركز الأول في مسابقة أفضل مقال رياضي التي قدمتها رواد اللياقة
 
المراجع
Patanjali yoga sutra Hatha yoga pradipika