يهتم الكثير من المدربين الرياضيين بالبحث عن المهارات العملية والعلمية للتدريب الرياضي، بينما يغفل الكثير منهم عن تنمية مهاراته الاجتماعية، ومهارات التواصل مع من حوله سواء من الزملاء في الحقل الرياضي، أو حتى العملاء الذين يتعامل معهم بشكل مباشر في التدريب الشخصي؛ إذ إن الإخفاق في هذا الجانب يكون سببا في خسارة عدد كبير من عملائك المحتملين، بل وحتى عملائك الحاليين في بعض الأوقات. 

يمكن أن يساعدك استخدام التقمص العاطفي أو التشارك الوجداني كمهارة اجتماعية في جميع مجالات حياتك. ولكن يمكن أن يساعد بشكل كبير في مجال البحث عن المبيعات في مجال التدريب الرياضي والتدريب الشخصي بشكل خاص، ونتحدث في هذه المقالة عن طبيعة هذه المهارة ومدى فاعليتها في المجال الرياضي بشكل عام، والتدريب الشخصي بشكل خاص .

بادئ ذي بدء يجب أن نتعرف على مفهوم التقمص العاطفي أو كما أسميه التشارك الوجداني حتى نعرف ماهيته وإمكانية تطبيقه في واقعنا الرياضي؛ بل أقول بصلاحية تطبيقه في واقعنا اليومي في جميع مواقف حياتنا اليومية. 

 

ما هو تعريف التقمص العاطفي" empathy " أو التداخل الوجداني؟

 

التعريف العام للتقمص العاطفي هو: "القدرة على فهم مشاعر الآخرين ومشاركتها"

إذا حاولنا تعديل التعريف السابق للتقمص العاطفي أو التشارك الوجداني لكي يتم تطبيقه في مجال المبيعات أو المبيعات الرياضية تحديدا، يمكننا تعريفه على النحو التالي: "القدرة على فهم مشاعر العميل المحتمل ومشاركتها معه" أي أن تكون لديك القدرة على فهم عميلك وفهم مشاعره ثم تشاركه هذه المشاعر لإعطائه نفس الشعور المتبادل.

لو ألقيت نظرة على ما سبق، فاعتقد أنه سيكون واضحًا تمامًا لك أن هذه المهارة ستكون شيئًا قويًا يجب إدراجه ضمن جهود مسؤولي المبيعات والتدريب الشخصي في عالمنا الرياضي.
بل إن هذه المهارة بالنسبة للمدرب الشخصي، قد تكون أهم وأقوى عوامل نجاحه في الوصول إلى أهدافه التدريبية من أقصر طريق.

 

ما الفائدة من امتلاك المدرب الشخصي لمهارة التقمص العاطفي؟

 

التقمص عاطفي المرتفع يعني امتلاك قدرة عالية على معرفة وفهم عواطف الآخرين وتخيل العالم من منظورهم الشخصي. فهمك لعواطفهم لا يعني بالضرورة إظهار الشفقة عليهم؛ لكن يعني فهم احتياجاتهم وهو ما يمكًنك من الانطلاق نحو هدفك مباشرة، وكذلك يعني انصات أكبر (رغبة في فهم دوافع الطرف الآخر) انصات ليس فقط للكلمات المنطوقة بل وإلى لغة الجسد ونبرة الصوت وملامح الوجه. وفهم وجهات النظر واحترامها رغم الاختلاف معها، يتمتع المتقمص عاطفيا على قدرة على التعبير عن مشاعر الآخرين أكبر من قدرتهم أنفسهم على التعبير عنها... وذلك يعني انجذاب الآخرين للحديث معه لأنه يساعدهم على توصيف مشاعرهم بدقة أكبر، هذه الميزات مهمة جدا في عالم تجربة العميل لأنه تعطي من يمتلكها قدرة على تكوين روابط عاطفية مع من حوله، وهذا يجعله يكتسب الثقة أسرع من غيره وبالتالي يخترق الصوامع المؤسسية بعلاقاته ويصنع التغيير المنشود في أقصر وقت.


عند امتلاكك لمهارة التقمص العاطفي فذلك يعني أن تتجرد من الأحكام المسبقة، وأن تبتعد عن الافتراضات والاستنتاجات السريعة، تبحث عن دوافع من حولك لتحقيقها لهم وتسألهم عشرات الأسئلة وتتواصل من خلال قنوات متعددة (أهمها وجها لوجه) لتفهم بشكل أوضح، فتصنع مع من حولك انسجام أكبر ومساحات مشتركة أوسع، المتقمصون عاطفيا يرون في الاختلاف نعمة وتوازن.

السبب في أن التقمص العاطفي مفيد هو أنه عندما تتعامل مع شخص ما، فأنت دائمًا تتخذ قرارات سريعة بشأن ما تقوله وتفعله. لكن إذا اتخذت هذه القرارات دون استخدام التقمص العاطفي أو التشارك الوجداني، فأنت تتخذ قرارات بدون معلومات ذات قيمة. الأمر مشابه للقيادة بدون عداد السرعة. قد يكون لديك مهارات جيدة جدًا عند القيادة ولكن إذا لم تكن لديك المعلومات التي يوفرها لك عداد السرعة، فمن المحتمل أن تسير بسرعة كبيرة وبطيئة جدًا في مواقف معينة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى وقوع حوادث وغرامات وعلاقات سيئة مع السائقين الآخرين.

إذا حاولنا تطبيق ذلك على التدريب الشخصي، فإن التقمص العاطفي يوفر لك معلومات قيمة عما يجري مع عميلك المحتمل أو حتى العميل الحالي (أو المتدرب المشترك معك). بدون هذه المهارة، قد تتحرك بسرعة كبيرة، أو تتحرك ببطء، أو تقول أو تفعل شيئًا خاطئًا، وما إلى ذلك، عندما تضيف المعلومات التي يوفرها التقمص العاطفي، يمكنك اتخاذ قرارات أفضل فيما يتعلق بما يجب عليك قوله وفعله وهذا من شأنه أن يكون له تأثير إيجابي على نتائج مبيعاتك كمدرب شخصي وكذلك نتائج برامجك التدريبية مع متدربيك.

 

هل يمكن تطوير مهارة التقمص العاطفي؟

 

الاجابة ستكون نعم بالطبع، فمهارة التقمص العاطفي مثلها مثل أي مهارة يكتسبها الإنسان، يمكن تطويرها لكن فرصة تطويرها لمن يتمتعون بها جزئيا أعلى بكثير من فرصة تطويرها لدى من يفتقدونها. وكذلك فرصة تطويرها بالأطفال أكبر بكثير من تطويرها لدى البالغين.

 

"المشي في حذاء العميل"

 

تعتبر المقولة السابقة شهيرة في عالم المبيعات، وبالطبع يمكن تطبيقها في مجال التدريب الشخصي، لكن كيف يتم ذلك؟ 

فكر في مشكلة المتدرب على أنها مشكلتك أنت، شاركه هذا الشعور وحاول أن تعيش مشكلته بنفسك، حيث أنه لن يستطيع أي شخص الوصول إلى حلول ما لم تتبلور المشكلة في رأسه، تمارين المشي في حذاء العميل بكل أنواعها مفيدة جدا لمساعدة أصحاب العلاقة على بلورة المشاكل في عقولهم وبالتالي الوصول إلى الحلول الفعالة. 

 

هل هناك فرق بين "التقمص العاطفي" وما يعرف بـ "الذكاء العاطفي"؟ 

 

يعرف "الذكاء العاطفي" على أنه القدرة على إدراك واستخدام وفهم وإدارة العواطف والتعامل معها بطريقة إيجابية. يمكن للأشخاص ذوي الذكاء العاطفي العالي التعرف على مشاعرهم ومشاعر الآخرين، واستخدام المعلومات العاطفية لتوجيه التفكير والسلوك، والتمييز بين المشاعر المختلفة وتوصيفها بشكل مناسب، وتعديل العواطف للتكيف مع البيئات. ظهر المصطلح لأول مرة في عام 1964، لكنه اكتسب شهرة من خلال الكتاب الأكثر مبيعًا في عام 1995بعنوان" الذكاء العاطفي"، الذي كتبه صحفي الأمريكي دانيال جولمان، حيث عرّف جولمان الذكاء العاطفي بأنه "مجموعة من المهارات والخصائص التي تحرك أداء القيادة".
بينما "التقمص العاطفي" كما عرفناه سابقا، هو المهارة التي نستطيع من خلالها فهم وإدراك مشاعر الآخرين والقدرة على تشارك هذه المشاعر معهم مع نقل هذا الإدراك والاحساس للطرف الآخر مرة أخرى، وكل ذلك لا يتم إلا من خلال موهبة معينة تكون موجودة بشكل طبيعي عند بعض الأشخاص، بينما يمكن تنميتها عند البعض الآخر.

بناءا علي  التعريف السابق نستطيع أن القول أن هناك فارقا كبيرا بين الذكاء العاطفي والتقمص العاطفي، ويمكننا القول أن الذكاء العاطفي يتم استخدامه من قبل الأشخاص ذوي سلطة القرار أي من جانب واحد فالشخص نفسه يجب أن يفهم ويدرك ويتعامل مع مشاعره ومشاعر الآخرين واخذ قرارات بناءا على مجموعة المشاعر التي تمكن من فهما من الطرف الآخر، ويتم ذلك غالبا من قبل الإدارات العليا  ومن لهم حق اتخاذ القرار، أما في حالة التقمص العاطفي فإن الشخص المتقمص عاطفيا ليس هو متخذ القرار، ولكنه يستخدم هذه المهارة فقط لمساعدة الطرف الآخر على  اتخاذ القرار.

وعلى ما سبق دعني أقول لك يا صديقي أنه في حالة المبيعات الرياضي فإنك بحاجة إلى أكثر إلى استخدام مهارة التقمص العاطفي أما في حالة التدريب الشخصي فإنك بحاجة إلى كلا المهارتين؛ فمن خلال الذكاء العاطفي يمكنك فهم وإدراك مشاعر العميل وفهم متطلباته واحتياجاته، ومن ثم أخذ قرارات سلمية فيما يخص البرنامج التدريبي للمتدرب واعطائه التعليمات والإرشادات بطريقة مهنية وأكثر احترافية. أما فيما يخص مهارة التقمص العاطفي فستكون دائما في حاجة إلى استخدامها مع العملاء الجدد لمساعدتهم على اتخاذ قرار الاشتراك في برنامجك التدريبي، بينما تحتاج إليها مع عميلك الحالي لفهم وإدراك مشاعره حيال البرنامج التدريبي ومشاركته هذه المشاعر للوصول إلى هدف البرنامج التدريبي بطريقة أسهل، وأيضا سوف تستطيع من خلال هذه المشاركة الوجدانية مع المتدرب الحصول على ثقته ورضاه الدائم، وكذلك تعديل بعض سلوكيات التدريب كلما تطلب الأمر إذا يعمل التقمص العاطفي بمثابة "المنبه" الذي ينبهك باستمرار ويعطيك قراءة صحيحة لمشاعر عملائك.

والآن سوف تسأل نفسك عن كيفية تطبيق "التقمص العاطفي" بطريقة عملية، دعني أخبرك بذلك في المقالة التالية من خلال خطوات سهلة وبسيطة.